إسلام المغاربة أو الحاجة للاولياء و الاضرحة في المغرب الحديث

اهتم الكثير من المؤرخين و السوسيولوجين، مغاربة و اجانب، ب"الاسلام الشعبي"، اسلام الزوايا و الطرق و الاولياء و الصلحاء و الطق...

اهتم الكثير من المؤرخين و السوسيولوجين، مغاربة و اجانب، ب"الاسلام الشعبي"، اسلام الزوايا و الطرق و الاولياء و الصلحاء و الطقوس و المعتقدات الشعبية المرتبطة بهم...

 غير انه اذا كان قد حصل تراكم كبير، زاخر بالمعلومات و المعطيات القيمة، فإن اغلب الاطروحات التي تناولت الاسلام الشعبي، ظلت محملة بمواقف سياسية و ايديولو جية  و اضحة.

الدراسة التي انجزها الباحث الامريكي " ديل ايكلمان " في هذا المجال، شدت عن هذه القاعدة. و هي تعتبر من بين الاطروحات المهمة المحسوبة على اصابع اليد، لازتقائها الى مستوى معقول من التنظير بناءا على البحث التاريخي الرصين، و الرحلة في اعماق انتروبولوجية المعتقدات الدينية الشعبية، في كتاب ضخم عنونه ب " الاسلام في المغرب" و هو عبارة عن بحث ميداني حول الزاوية الشرقاوية بابي جعد. 

ينقسم هذا الكتاب الى جزئين، جزء نظري، يتعلق بادوات و منهجية البحث، ناقش فيه الكاتب الاشكالات و الفرضيات المحددة لموضوع بحثه. و جزء ميداني، تحت عنوان" الزاوية الشرقاوية بمدينة بجعد حديثا"، و فيه، وضع الباحث نموذجه التحليلي، في التاريخ الانتروبولوجي، و الذي فسره في الجزء النظري من الكتاب، موضع الاختبار و التطبيق.

نظريا، انطلق صاحب " الاسلام في المغرب " من الفرضية التالية : الاولياء أموات، لكن هم في نظر الناس أحياء. يتدخلون لحل مشاكلهم، و لحمايتهم و تلبية مطالبهم. اذن، كيف و لماذا يحافظ هؤلاء الناس على هذه العلاقة مع الاولياء/الاموات؟

ان الناس يحافظون من خلال نشاطهم و مواقعهم الاجتماعية على المعتقدات و الطقوس التي يحملونها و التي تتكيف و تتعايش مع واقعهم الجديد.

وقف الباحث، و بتفصيل مذهل و عميق، عند الدلالات الجديدة و المتغيرة لهذه الحمولة الدينية الشعبية، بعد انتقالها من وضعية اجتماعية تاريخية الى وضعية اخرى مختلفة عنها.

لاحظ ديل ايكلمان، أن للاولياء و الزوايا، تاريخيا و سوسيولوجيا، هيكلا ثقافيا مركزيا متكاملا. يزود الناس بعناصر أو وسائل معينة لقراءة واقعهم الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي، كما يؤطر هذا الهيكل الثقافي المتجدد،  رؤيتهم للعالم و الكون. فهم يتصرفون في حياتهم طبقا لهذه الثقافة، و يؤمنون أن توسط الاولياء/ الاموات فيما بينهم و بين الله جزء من الاسلام، كما يرفضون نعت ممارستاتهم على انها خارجة عن الاسلام.

و هنا يعطي الباحث اهمية قصوى لدراسة القاعدة الاجتماعية للزاوية الشرقاوية ، رافضا الحكم على الاشخاص الذين يعتقدون في الاولياء انهم يقعون تحت رحمة المشعودين و المتطفلين عن الاسلام من مستغلي الروحانيات لقضاء ماربهم الشخصية.

فهو من جهة، انتقد الطرح الكولونيالي الذي قوم تطور المعتقدات الاسلامية من الديانة الخاصة الى مسايرة المعتقدات المحلية عبر سلسلة من التنازلات و التراجعات للاسلام الخالص.  و من جهة ثانية، فند مواقف السلفية المغربية التي تحارب الاسلام الشعبي و تعتبره لا يمت بصلة للدين الحنيف.

ان اهمية هذه الدراسة حول واقع الاسلام بالمغرب، تكمن في تفكيك المضمون السوسيولوجي الذي سينبثق عن مواجهة الزوايا للسلطة المخزنية منذ القرن 15 الى بداية القرن العشرين. و الدور الذي لعبه الاسلام الشعبي في تطور مجريات الصراع السياسي بالمغرب. و هو ما يعني، ان المعتقدات الشعبية ليست خالية من اي روح نقدية، عكس ما ذهبت له الادبيات الكولونيالية التي اعتبرتها من ضمن البقايا و الموروثات المتحجرة الغير قابلة للتطور و التكيف مع تغير الاوضاع التاريخية و تطور البنيات الاجتماعية.

و في الجزء الثاني من الكتاب، اي الجانب الميداني من الدراسة الانتروبولوجية لديل ايكلمان حول الاسلام بالمغرب، استعرض خمسة مفاهيم متحركة عبر الزمان و المكان، يدرك من خلالها المغاربة واقعهم الاجتماعي. و هذه المفاهيم او المقولات العامة حددها الباحث في الكلمات الشعبية التالية : المكتوب، العقل، الحشمة، الحمق و العار. فهي تفسر نشاطهم الاجتماعي تفسيرا دلاليا و تجعله منسجما و متجانسا.

سيهتم الباحث ايضا في هذا الجانب المهم من الدراسة، بتشريح ايديولوجية الزوايا و علاقتها بالحس الديني لدى المغاربة، كحس مشترك من خلال دراسته لمادة غزيرة من الروايات الشفوية و المقابلات المباشرة مع الناس، و مع خدام و اتباع الزوايا و الاولياء. و علاقة المخزن، من خلال وزارة الداخلية، بهذه الزوايا. حيث يقف الباحث عند مظاهر تجديد الولاء للسلطة بمناسبة المواسم الدينية. كما كان يفعل اسلاف المخزن، باستثناء بروز بعض التكتيكات الجديدة كمنع المواسم في لحظات معينة تحسبا لطارىء ما؟

و سيجد الباحث و القارىء على السواء، في هذا الكتاب، جوانب مهمة تسلط الضوء على التنظيم السياسي و الاقتصادي للمؤسسات الدينية الشعبية و الكيفية التي الت اليها بعد التطورات التي شهدها المغرب ابان الاستقلال.

*"الاسلام في المغرب" ديل ايكلمان، ترجمة محمد اعفيف ج 1 و ج 2 89/1991 عن دار توبقال.

قراءة : محمد السلايلي